جعفر عباس
يدرك أبو جهل السوداني أن رتبته العسكرية فشوش، وأنه نجح في تسديد هدف في مرمى ثورة ديسمبر بالتسلل، ويدرك أن كل ذي عقل وضمير في السودان يعارضه، وأكثر ما يخيفه هو أنه يعلم ان معظم الشبان والشابات ممن نالوا حظا طيبا من التعليم يعارضونه، ومن ثم نلاحظ في سلوك المجلس الانقلابي عداء شديدا للعلم والمتعلمين، وما الاستهداف اليومي للأطباء إلا تعبير صارخ على هذا العداء، وقبل يومين هجم الجنجويد على قسم الطوارئ في مستشفى إبراهيم مالك واعتدوا على الكوادر العاملة فيه، ولما شكت موظفات وزارة الصحة الاتحادية من ان الجنجويد المرابطين قرب الوزارة يتحرشون بهن قام الجنجويد بمداهمة الوزارة والقيام باعتقالات عشوائية بين العاملين فيها
ظلت جامعة الخرطوم محتلة من قبل الجنجويد قبل فض الاعتصام بعدة أسابيع، وفي الرابع من يونيو تعرضت الجامعة لهجمة تترية، فقد تم تدمير المكاتب وسرقة المعدات الكهربائية والكمبيوترات، في كليات الاقتصاد والعلوم والهندسة، وكان أكثر المباني تضررا مستشفى الجامعة الكلينيك الذي تعرضت للحرق الكامل، وخسرت البلاد تجهيزات أقسام الولادة والمختبرات والعمليات والأشعة وبنك الدم ومخزن الأدوية والعناية المكثفة وقيمتها بالمليارات، وسرقوا ثلاجات بنك الدم ورموا أكياس الدم أرضا فمنظر الدماء على الأرض لا يهز فيهم شعرة، ووشحوا جدران الكلينيك بعبارات قذرة لا تخرج إلا ممن ينهل أخلاقه من بواليع المجاري، وحدثت السرقات بالدفارات وعلينا ان نعرف من الذي لديه الجرأة لفعل ذلك علنا بينما قوات الجنجويد ظلت مرابطة في ميدان الجامعة الشرقي منذ أكثر من شهر، خصوصا وأن المجرمين الذين ارتكبوا كل ذلك التخريب والسرقات تركوا بصمات واضحة هي طلقات رصاص كثيرة على جدران مكاتب وقاعات الجامعة
وهكذا يعلن تتر ومغول القرن العشرين اقتداءهم بأجدادهم الذين وفور دخولهم العراق جعلوا أولويتهم تدمير ما بها من كتب ومكتبات، بتدمير جامعة الخرطوم وكلية التدريب المهني (زار مبنى هذه الكلية مراسل قناة سكاي نيوز بعد المجزرة بثلاثة أيام، وقال إن رائحة جثث متعفنة كانت تنبعث من أنقاضها وان جنجويديا هدده بالصرب لو اقترب من حطام المبنى)، ويعلنون في نفس الوقت أنهم عثروا على التفويض لحكم السودان من رجالات الإدارة الأهلية، بينما نعرف ان حكومة نميري حلت الإدارة الأهلية في منتصف سبعينات القرن الماضي، وان حكومة البشير أتت في سنواتها الأخيرة ببعض الطراطير وأضفت عليهم ألقاب الزعامة القبلية دون أن تكون لهم سلطات إدارية بأي قدر
أيها الحالمون بتفويض هلامي هدفه تقويض الثورة، ليس بين التنابلة الذي فرشتم لهم الأسرة والعناقريب في أرض المعارض ببري شرتاي عطبرة ولا عمدة الطائف والمنشية، ولا حكامات العباسية واركويت، فسارعوا بتنصيب تراجي ناظرا لعموم الخرطوم، وعندكم عدد لا باس به من اللصوص وإعلاميي الغفلة الذين يعرضون أنفسهم في سوق النخاسة ويبيعون أقلامهم لمن يدفع أكثر وأخلقوا لهم عموديات هنا وهناك كي يتسنى لكم التبجح أكثر بأنكم مسنودون
والشاهد يا ثوار ديسمبر هو أن مجلس العسكر التتر والذين ارتكبوا أبشع جريمة في تاريخ السودان منذ ما قبل ميلاد المسيح، وبرغم مزاعمهم بأنهم مسنودون يدركون أنهم يجلسون على كراسي مخلخلة الأرجل، وأن بقاءهم فيها رهن باستمرار الجنجويد في ممارسة الإرهاب والتنكيل بالمواطنين، وثقوا تماما أيها الثوار بأنه ما من قوة على الأرض أقوى من الإرادة الشعبية، فالبشير سقط رغم ان مجلس العسكر وكتائب الظل والدفاع الشعبي والجنجويد والمؤتمر الوطني والشعبي تحرسه؛ وعسكر البرهان ليسوا بأقوى من نظام البشير، وما زال في السويداء رجال أشاوس وكنداكات ماجدات لهم السيطرة على الشارع ويساندهم الراي العام العالمي (هاشتاق الثورة السودانية الزرقاء تكريما للشهيد الشاب محمد مطر الذي كتب قبل استشهاده "دهنت سماء السودان بالأزرق"، صار عالميا ترفعه مئات الآلاف في جميع القارات)، وكما تحدينا البشير نتحدى مجلس التتر العسكر أن ينجحوا في إخراج موكب عفوي يساندهم
والثورة مستمرة حتى لو تساقط بعض عناصر قوى الحرية والتغيير، وهو في تقديري- رغم احترامي لما أنجزه- جسم مترهل به تيارات ظلت تمسك بالعصا من "النُّص" قبل وبعد مجزرة 29 رمضان، وخير للثورة ان يحدث فرز الكيمان مبكرا حتى تسير إلى غاياتها بقيادات مخلصة لا يسيل لعابها للمكاسب الآنية
جعفر عباس