عثمان ميرغني
مباشرة بعد التحية والمصافحة، سألني السفير دونالد بوث، المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان:”هل نتحدث للنشر؟ أم ترغب في حوار خاص ليس للنشر؟” قلت له:”الإثنين.. دعني أسجِّل كل الحوار ثم نتفق على ما هو خارج النشر”.. وافق وبدأنا الحوار والتسجيل..
كل الأسئلة لم يعترض على نشرها، عدا السؤال الأخير.. وبعد إغلاق أجهزة التسجيل، وقفنا وتحدَّثنا قليلا عن مجمل المهمة التي جاء من أجلها وعن انطباعه العام.. بصراحة وجدت نفسي مرغما لأقول له: “باسم كل الشعب السوداني.. نقدر مجهودك الكبير من أجلنا..”.
بضغطٍ قويٍّ من الكونغرس الأمريكي اضُّطرت الإدارة الأمريكية لاستدعاء أحد أبرز دبلوماسييها.. السفير دونالد بوث ليكون مبعوثا خاصا إلى السودان.. وهو ليس جديدا على السودان، تولى المهمة ذاتَها مبعوثا للسودان وجنوب السودان لأربعة سنوات ونصف من 2013، وزار السودان كثيرا.. ويرى الكونغرس الأمريكي أن متباعة الوضع في السودان عن كثب مهم للغاية لأمريكا وكل العالم، خشية الانزلاق إلى تخوم الدولة الفاشلة، إن ارتمى السودان في حضن الفوضى الضاربة بأطنابها في الإقليمين الأفريقي والعربي..
المبعوث الأمريكي له رأي إيجابي جدا عن الشعب السوداني.. ومعجب جدا بالشباب خاصة.. فهو يراه شعباً مسالماً يحب ويتطلع لحياة كريمة ووضع اقتصاديٍّ أفضل، ويعتقد أن أمريكا وكل دول العالم لهم رغبة صادقة وقوية لمساعدة السودان اقتصاديا.. لكنَّه يشدِّد على ضرورة عبور نفق الأزمة الحالية بأعجل ما تيسَّر، والتحوُّل إلى حكم انتقالي مدني.. ولا يرى أية فرصة للتعاون مع بلاده أو أوروبا وغالبية دول العالم بغير حكم مدني..
ولأنه أنهى الجولة الأولى أمس ويغادر اليوم إلى بلاده، سألته:” هل أنت متفائل؟”، قال لي:” أحيانا أخرج من اجتماع وأحس بالتفاؤل.. وأحيانا في اجتماعات أخرى أحس بعكس ذلك”.. وأترك لخيالكم تخمين الاجتماعات التي “سدت نفس” المبعوث الأمريكي..
بصراحة تعتصر القلب الحسرة على الزمن الذي يُهدِره العالم معنا.. ونحن نضيع الفرص، فبدلا من التعاون المثمر الذي يجعلنا نستفيد من تجارب هذه الدول المتقدمة، ننهمك وننهك جهدنا وجهدهم في “المعافرة” للخروج من أزمات ضيقة..
كنت أتمنى أن نطوِّر اهتمام العالم وقلقه علينا.. إلى برامج شراكة منتجة لمصالحنا المشتركة.. فننحن دولة مُترفَةٌ بالموارد والخيرات، والعالم كله راغب وقادر على الدخول معنا في شراكات مثمرة.. فقط لو توفَّر لنا الاستقرار السياسي.. ودولة القانون التي لا يخشى الناس فيها الظُلم والظلام.. لكن إذا أصبح الناس يخافون حتى من (حراس القانون) فكيف يستقيم عُود (دولة القانون)!؟
يا حسرة علينا منا!!
ما قصَّرت معانا تب!
حديث المدينة
عثمان ميرغني
التيار