وساطة رئيس وزراء الجارة أثيوبيا في الأزمة السودانية، يبدو أنها تلفظ أنفاسها بعد أن رفضت قوى الحرية والتغيير طلب المجلس العسكري استئناف المفاوضات خلال 24 ساعة.. وبذلك يصبح الطريق مُغلقًا تماما في هذا المسار..
والحال كذلك؛ فإن الوضع مواجَه بثلاثة سيناريوهات:
الأول: أن يواصل المجلس العسكري مسلسل الأخطاء فيعلنَ تشكيل مجلس الوزراء تحت مسمى (حكومة تصريف أعمال).. وغالبا سيحاول استمالة بعض قوى الحرية والتغيير لتشارك في المجلس، أو على أقل تقدير أن تباركَ الشخصياتِ المختارة.. وهذا السيناريو هو استكمال لمذبحة الاعتصام.
الثاني: أن تتجمد الأحوال على ما هي عليه، ويستمر المجلس العسكري الانتقالي مؤسسةً سياديَّة وتنفيذية وتشريعية وأحيانا قضائية.. وتتحقق بذلك أعتى درجات الانفراد بالسلطة وهي أقصى حدود الديكتاتورية..
الثالث: أن تتحرك قوى الحرية والتغيير من مربع الانتظار ورد الفعل، فتعلن عن تشكيل مجلس الوزراء وربما أيضا المجلس التشريعي.. وهو الخيار الذي نتمنى أن يحدث اليوم قبل الغد..
الخيار الثالث ينهي تماما حالة الجمود والاستعصاء ليس لكونه ينقل السلطة عمليا للإدارة المدنية بل لكونه لن يُواجَه من المجلس العسكري إلا بالقبول وربما المباركة.. فخيارات العسكري بعيدًا عن الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير، تبدو كارثية في كل ضروبها.. ويختبئ خلفها أسوأ سيناريوهات الرعب، من شاكلةِ ما أشار إليه السيد تيمور ناجي، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية بعد انتهاء زيارته للسودان، فقال أن السودان إذا انزلق إلى الفوضى فسيخلق “ليبيا” جديدة، بالحرب الأهلية ذاتها..
ولهذا أَجِدُني أكرر نصيحتي لقوى الحرية والتغيير، أنهم بلا حاجة لمفاوضات مع المجلس العسكري يمكنهم تشكيل الحكومة بل والبرلمان ولن يكون متاحا للمجلس العسكري سوى الاعتراف بها.. وبمجرد تشكيل الحكومة يصبح متاحا تشكيل لجنة تقصِّي حقائقَ قضائيةٍ وفق قانون لجان التحقيق للعام 1954. كما بالضرورة سيكون مفتاح شبكة الإنترنت في يد حكومة الحرية والتغيير..
لا حاجة لحكومة كبيرة، الأنسب ألا تتعدى 11 أو ربما 10 فقط، خاصة أن من مطلوبات المرحلة القادمة إعادة ترسيم (الوصف الوظيفي) للوزير حتى لا يكون هو ذلك المسؤول العبقري الذي يدير الوزارة من قمة شعرها إلى أخمص قدميها من بنات أفكاره و أولاد إبداعه الخاص، وما إن يغادر الوزارة حتى ترافقه كل خططه، الوزير في دولتنا الحديثة القادمة يجب أن يكون مجرد الواجهة السياسية للوزارة، لا يَحِقُّ له التدخل إطلاقا في تفاصيل عملها وبرامجها بينما يحتفظ جهاز الخدمة المدنية بكامل استقلاله..
مطلوبٌ تحويل أزرار إدارة الدولة إلى أزرارٍ تدار باللمس.. بمنتهى الكفاءة والانسجام..
التيار