مناظير - زهير السراج
لماذا أُضرب ؟!
لماذا أُضرب ؟!
* غمرنى شعور بالخجل والإحباط حتى كادت الدموع تطفر من عينى عندما رأيت صورة رئيس المجلس العسكرى الإنتقالى ورئيس الدولة السودانية في نظر العالم (عبد الفتاح البرهان) وهو يؤدى التحية العسكرية للرئيس المصرى (عبدالفتاح السيسى)، كأى قائد عسكرى مهزوم يؤدى التحية لعدوه المنتصر ثم يجلس أمامه ليوقع على وثيقة الإستسلام الكامل ..!!
* تساءلت بينى وبين نفسى .. ( تُرى هل ينتمى هذا الجنرال المستسلم لنفس الجيش العظيم الذى لجأ اليه الشعب ليحميه ويقف معه وينحاز إليه في ثورته ضد الطغاة فلم يخذله، هل هو المخلص الذى انتظرناه طويلا لينصرنا على من دمر بلادنا وافسد حياتنا واهان كرامتنا .. هل هو القائد العسكرى الفذ الذى ننتظره ليرفع رأسنا عاليا بين الشعوب عندما يفى بالوعد الذى قطعه بتسليم السلطة لشعبه ويثبت ان الرجل كلمة .. هل ينتمى الى نفس الشعب الذى كان مصدر إعجاب العالم بثورته السلمية الحضارية وشجاعة بناته وأبنائه العزل في مواجهة الرصاص لإرساء دولة الحرية والسلام والعدالة .. هل هذا الجنرال الذى يؤدى التحية العسكرية لرئيس يحتل بلده، هو (سوار الذهب) الجديد الذى كنا ننتظره؟!)
* سرعان ما جاءتنى الإجابة تعاتبنى على أخذ الرجل بالظن من مجرد صورة قد لا تكون معبرة عن الواقع الحقيقى للقائه بالرئيس المصرى، فاصابنى الهدوء خاصة بعد الهواجس والظنون والإحباط الذى تراكم على نفسى خلال اليومين الماضيين بسبب الزيارة التى قام بها نائبه الى السعودية وجعلتنا نشعر بالإكتئاب الشديد من استمرار حالة الخنوع التى يبديها قادتنا لقادة دول سبقت إليها آيادينا البيضاء ولا تزال، ولكن قادتنا مصرون على اظهارنا بمظهر المتسول المحتاج بتسولهم وإنكسارهم على بلاط ملوكها وخضوعهم لأوامرهم .. زيارة جاءت في وقت كان يشعر فيه كل سودانى بالفخر الشديد لإنتمائه للسودان وشعبه العظيم بعد الثورة الحضارية العظيمة التى رفعت هاماتنا لتطاول نجوم السماء، ولكن يأبى القادة إلا أن يظهرونا بصورة مزيفة مخزية غير الصورة الحقيقية البراقة التى يرانا بها العالم، ويجرحوا كرامتنا ويطأطئوا هاماتنا ويمرغوا انوفنا في التراب وكأنهم أعداؤنا !!
* لم تمر على حالة الهدوء الجميل الذى اصابنى إلا دقائق قليلة، حتى جاءنى النبأ اليقين الذى يؤكد ظنى في الرجل .. في الجنرال .. في الفريق اول .. صاحب النياشين والنجوم اللامعة على الأكتاف الذى احتمينا ببابه .. في رئيس المجلس العسكرى الإنتقالى، في رأس الدولة السودانية .. في المخلّص الذى طال انتظارنا له ليخلصنا من ظلم قادتنا السابقين وانكسارهم لغيرنا .. ولكن خاب ظننا فيه، فلقد نشرت وكالات الانباء ومحطات التلفزة العالمية والعربية تعهده للرئيس المصرى بعدم إقامة اى علاقة مع دول تضر بمصالح مصر والخليج .. تخيلوا الى اى مدى وصل بنا الهوان، وضاعت سيادتنا، فالرجل الذى ينظر اليه العالم كقائد لدولتنا وأحد أبناء الشعب صاحب الامجاد ومشعل الثورات ووالد الكنداكات والفرسان (طلع أى كلام يا جدع) .. ولا يخجل من السماح لدولة مثلنا بالتدخل في شؤوننا، وان تفرض علينا .. مَن نعادى ومَن نصالح، فماذا بقى لنا من كرامة غير ان يقول لرئيسها سمعا وطاعة يا مولاى .. انا ومجلسى وبلادى وشعبى عبيدك وتحت امرك وفى خدمتك !!
* سأضرب غدا وبعد غد .. وكل يوم .. لا يدفعنى الى ذلك الخلاف مع المجلس العسكرى ونقضه للوعد والعهد .. ولكن لاستعادة كرامتى التى اهانها البرهان وحميدتى ومجلسهما العسكرى .. واصرارهم على الاساءة إلينا وجعلنا موضع سخرية الآخرين .. إنه إضراب الكرامة قبل أن يكون أى شئ آخر، فمن كان بلا كرامة لا يستحق أن يعيش دعك من أن يطالب بالديمقراطية والمدنية ويحكم نفسه !!
الجريدة
______
الجريدة
______