أجرت "سبوتنيك" المقابلة التالية مع الاستاذ كمال عمر، الأمين السياسي لحزب "المؤتمر الشعبي" والقيادي في تحالف المعارضة السودانية (تحالف قوى الإجماع الوطني" في السطور التالية…. فإليكم نص الحوار.
سبوتنيك: برفض المجلس العسكري للمبادرة الأثيوبية… هل باتت الرؤية واضحة أمامكم؟
أعتقد أن الواقع السياسي السوداني الآن مأزوم، لعدة أسباب، فالمجلس العسكري الحالي هو شكل من أشكال المؤتمر الوطني، وفي إطار الصراع الداخلي في مؤسسات المؤتمر الوطني، وأرى ان اللجنة الأمنية في المؤتمر الوطني إبان الثورة ادعت شكليا انحيازها للجماهير وقضايا الثورة، والآن المجلس العسكري بدأ يتنصل بصورة جادة وفي شكل خطابات سياسية خلال اللقاءات الإعلامية ونقاط التعبئة الجماهيرية، حيث بدأ منذ فترة قريبة في عمليات حشد للجماهير حول خطابه ورؤيته السياسية، وأرى في هذا التوقيت أنه تنصل تنصل تماما من الاتفاق الذي وقعه مع قوى الحرية والتغيير، وبالتالي هو رافض لمبادرة الاتحاد الإفريقي، حيث خرج حميدتي "الرجل القوى في المجلس العسكري" ليقول إن الإتحاد الإفريقي ليس وسيطا في الأزمة السياسية، كذلك المبعوث الأمريكي مساعد وزير الخارجية وغيرهم، كل تلك الوساطات لا تعدو أن تكون استهلاك سياسي للمجلس الغير معترف بالوساطات من الأساس.
سبوتنيك: إذا أنت تجزم بأن المجلس لن يسلم السلطة للمدنيين وأن حميدتي يقترب من رأس هرم السلطة في البلاد؟
هذا هو الواقع، حميدتي "ركل" كل الاتفاقيات، كما ركل الواقع السياسي الذي فرضته الثورة وقام بفض الاعتصام بالقوة، والآن عناصره منتشرين في كل ربوع العاصمة الخرطوم، وخطابه السياسي أصبح يشكل نسخة جديدة من حكم حميدتي للسودان.
سبوتنيك: إذا كان هذا هو وضع حميدتي الآن… فأين تقف الثورة السودانية؟
في رأيي أن الثورة السودانية قد "أجهضت" بواسطة المجلس العسكري بقيادة حميدتي، ولا أرى أي أفق لحل سياسي إلا أن نبدأ مشوار آخر لتعبئة الشارع لثورة جديدة، الأمر بالفعل انتهى برؤية المجلس العسكري، والنسخة الحالية لحكم المجلس العسكرى هى أسوأ بكثير من حكم البشير، فمن يسيطر اليوم يحكم البلد بعقلية استبدادية.
سبوتنيك: هل بدأت الثورة الجديدة بدعوات التظاهر في 30 يونيو/ حزيران القادم؟
رغم اجهاض العسكري للثورة إلا أنني أرى أن عزيمة الجماهير اليوم أقوى، نظرا لأن الجماهير مازالت ترى أمام أعينها من فقدتهم من أجل الثورة، كما ترى الجماهير وبما لا يدع مجالا للشك أن المجلس العسكري قد سطى على الثورة، فليس لدى الشعب خيار سوى الثورة مرة أخرى، وتظاهرات 30 يونيو/ حزيران ستكون انطلاقة جديدة للثورة، وفي المقابل قدم المجلس العسكري كل خطابات تعبئة الجماهير وتنتشر قواته الآن في كل ركن بالسودان، المهمة صعبة في البداية ولكنها في النهاية ليست مستحيلة.
سبوتنيك: الجماهير التي بقيت في الشارع أكثر من ستة أشهر… ألا ترى أن حماسها ربما يكون قد ضعف بعد فشل تلك التجربة؟
أعتقد أن جذوة الثورة الآن أكثر اشتعالا، والمجلس العسكرى سقطت مصداقيته أمام الشعب السوداني ولا أعتقد أن لديه فرصة للمناورة السياسية مرة أخرى، حيث أن كل قطاعات الشعب السوداني في مختلف الأقاليم تستعد لـ"أم المعارك" لاسقاط المجلس العسكري، الشعب السوداني الآن أكثر إصرارا منذ فض الاعتصام، كل خطابات المجلس العسكري توحي بأنه ليس هناك بديل سوى الثورة.
سبوتنيك: البعض يتحدث عن خطة حميدتي للتنصل من قضية فض الاعتصام بالقوة… والزج ببعض العسكريين المعارضين له إلى قفص الاتهام؟
"مجزرة" فض الاعتصام أمام القيادة بالقوة يتحملها المجلس العسكري برمته، ليس لديه طريق للتنصل من تلك المسؤولية الجنائية، مسؤولية فض الاعتصام يتحملها البرهان وحميدتي.
سبوتنيك: مؤخرا كثر حديث نائب العسكري عن "تفويض" شعبى…ما هو هذا التفويض؟
كل التجمعات والحشود التي يقف أمامها حميدتي هى حشود "مصطنعة" وغير حقيقية، والمجلس العسكري لم يفوضه أحد في الحديث باسم السودان، كما أن أحدا لم يفوضه للتلكؤ في عدم تسليم السلطة للمدنيين، كل ما يحدث هو مسرحيات والساحة السياسية مكشوفة، والأحزاب التي يتحدث عنها هى أحزاب كرتونية لم تنفع المؤتمر الوطني والبشير من قبل لكي تفيد المجلس العسكري اليوم، الحشود الحقيقية هى التي ملأت ساحات الاعتصام في الخرطوم والولايات.
سبوتنيك: ما هي الأخطاء التي وقعت بها الثورة السودانية…رغم أن هناك تجارب مازالت حية أمامها في بعض دول المنطقة؟
كان لنا عدة أخطاء، أولها أن كل القوى السياسية كانت متفقة على سقوط البشير، وبعد أن تحقق هذا الهدف حدث نوع من الالتفاف الأيديولوجي وانقسمنا إلى إسلاميين وعلمانيين، هناك إسلاميين مناهضين لنظام البشير وهناك علمانيين ممثلين في قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري جنح في البداية للتحالف مع قوى الحرية والتغيير، وحدث إخفاق لبعض العناصر المهمة في الثورة، الخطأ الآخر أننا لم ننظم العمل الدستوري، حتى الوثيقة الدستورية كانت ناقصة و إقصائية، لذا وجد المجلس العسكري ضالته في اخفاقات الورقة الدستورية لحشد طرف آخر ممن تم إقصائهم من الوثيقة، وقام بعمل حشود مثل حشود نصرة الشريعة والتي تصف التيار الوطني الآخر بأنه معادى للشريعة.
سبوتنيك: وهل كانت هناك انقسامات في قوى المعارضة؟
نعم كان هناك تباين في الخطاب السياسي لقوى المعارضة وحتى بين مكونات قوى الحرية والتغيير، كما كان هناك تدخل محاور إقليمية في الشأن الداخلي، كما أن دولا إقليمية لا ترغب في نجاح الثورة السودانية دعمت المجلس العسكري، تلك كانت المشاكل الإقليمية والمشاكل في المكون السياسي، والآن كلنا نحاول تجاوز أي خلافات ونسير في طريق الانتفاضة والثورة الثانية ضد المجلس العسكري، والثورات وهي من التجارب الانسانية التي تحتاج إلى نفس طويل للخلاص من الدولة العميقة التي أوجدت البرهان وحميدتي وغيرهم.
سبوتنيك: هل ترى أن هناك علاقة بين محاولة الانقلاب في إثيوبيا ودور الوساطة في السودان؟
أنا كرجل قانون لم أر شبهة جنائية تربط بين محاولة الانقلاب والوساطة الإثيوبية في الملف اليمني.
سبوتنيك: أجهضت الثورة… ما هي سيناريوهاتكم القادمة؟
قام السودانيون في الخارج باتخاذ خطوات من أجل الحصول على الحقوق القانونية لمن تم قتلهم في الثورة ويقومون بالتواصل مع كل الهيئات والجهات الدولية المعنية بالأمر، نحن جميعا متفقين على محاكمة المتورطين في عملية قتل المتظاهرين، كما أننا نسير في طريق تحريك قضايا جنائية ضد المتورطين في تلك القضايا، الآن الوضع القانوني والقضائي مختطف وغير مستقل ولا يمكن الاعتماد عليها، أضف إلى ذلك أن المجتمع الدولي حريص على استقرار الوضع في السودان والمحاسبة الجنائية والملاحقة الدولية.
سبوتنيك: المجلس العسكري أعلن انه اجتمع مع قادة الحركات المسلحة في البلاد… ما الهدف من ذلك في ظل إجهاض الثورة؟
الحركات المسلحة الحقيقية في السودان، اشترطت عدة شروط وأرسلتها إلى المجلس العسكري وكلها تتفق مع قوى الثورة، المجلس العسكري اليوم معزول، ولا أعتقد بعد فض الاعتصام أن أي قوى سياسية محترمة تفاوض هذا المجلس.
أجرى الحوار: أحمد عبد الوهاب