-->
سودان بكرة سودان بكرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الاسلامويون ورعب الاقصاء بعد 30 سنة من التمكين !!

محمود عابدين

التمكين والاقصاء وجهان لعملة واحدة, الفرق أن التمكين مصطلح اسلاموي لشرعنة الاقصاء نفسه. وبذلك يكون الاقصاء مبررا حين يكون بيد الاسلامي والعكس صحيح.

اليوم ينتابهم رعب الاقصاء لأنهم يدركون جيدا ما فعلوه بالآخرين باسم التمكين.

في ثمانينات القرن الماضي كان الإسلاميون مزهوون بمؤسساتهم الاقتصادية الناشئة آنذاك. هم كانوا قد اطلقوا العديد من البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية وغير ذلك من حاضنات رؤوس الأموال المحلية والاجنبية باسم الإسلام والاسلمة المجتمعية. طرح هؤلاء أسهم ضخمة بملايين الدولارات للاكتتاب في المصارف الإسلامية بدعوى محاربة الربا وتطهير قطاع البنوك من دنس العلمانية. النتيجة واضحة والحصاد بين بعد أربعة عقود ونيف من الاسلمة.

فشل ذريع أو بالأحرى لم ينجحوا في شي قط سواء الاسلمة أو المشروع الحضاري أو غيره حتى اللحظة التي اختفوا فيها تحت ضغط شعب غاضب وحانق عليهم.

الأولوية في التوظيف بمؤسسات التمكين الاولى كانت للإسلاميين المنتمين للحركة الاسلامية أو من يتم تزكيتهم من جانبهم باعتبارهم مشاريع لاحقة حتما ستصب في ماعون التنظيم.

التمكين الإخواني بدأ اذن اقتصاديا. وهذه من صميم افكار الامام حسن البنا في رسائله المعروفة... لا سلطة أو دولة شريعة من دون وضع اليد على القدرات الاقتصادية.

استغل "إخوان السودان" مؤسسات التمكين أو الاقصاء الوظيفي في السيطرة على معظم مؤسسات الدولة من بينها الجامعات ممثلة في اتحادات الطلاب. كما عملوا على توجيه بوصلة تلك المؤسسات الاكاديمية ووضعها في خدمة مشروعهم القادم.

كلما تمددت مساحة مؤسسات التمكين واستحوذ الإسلاميون على الوظائف كانت فرص العمل والكسب تضيق على الآخرين غير الموالين. انتهى ذلك إلى حصول اهل التمكين على كل شئ وخروج غيرهم خالي الوفاض غارقا في بحر البطالة والفقر.

تلك كانت أولى لبنات التمكين في السودان اي إقصاء الآخر اقتصاديا.

في ذلك الوقت كان الاسلاميون جزءا من حكم النميري الذي نصبوه أميرا على المسلمين فيما بعد. أما وقد استولوا على السلطة لاحقا فإن التمكين أصبح يشمل كل شيء من بينها الدولة السودانية ذاتها حيث أصبح حزب الاخوان يمتلك كافة الموارد الوطنية في البلاد يتصرف فيها كيفما شاء بلا ادنى وازع. ما من مورد أو قطاع الا وامتدت له يد التمكين الآثمة وكل ذلك تم وضعه في خدمة النظام السياسي وحمايته.

الدولة كلها أصبحت بيد التنظيم وتم إقصاء باقي السودانيين بنجاح ليعتاشوا فقط صاغرين على الفتات. وكانما قد فهموا أن هؤلاء سولسية شرعا مع الكافر في الدولة الإسلامية يدفع الجزية صاغرا.

بعد الاستحواذ على مؤسسات الدولة باسم الخصخصة محليا.. توجه الإسلاميون لبيع السودان .في المزاد العلني خارجيا. اذن التمكين انتقل الى الخارج لشراء رضا الإقليم والعالم بالنظام الاسلامي في السودان.

ساورد هنا بعض الأمثلة يتعلق المثال الأول بصفقات بيع السودان والتي كانت وما زالت تتم بفوضي عجيبة. فقد حكى لي وزير سابق أنه شاهد مسؤولا كبيرا بنفسه وهو يحمل حقيبة تحوي عقودات لاستئجار اراضي زراعية خصبة عذراء لفترات تتراوح بين ٥٠ - ٩٩ عاما. وما على المستأجر أو المستثمر الخليجي سوى دفع العمولة المطلوبة لاقرب سمسار اسلاموي والحصول على ما شاء من ارض ومياه ومعادن ..الخ ولا عزاء للوطن.

لوكان في تلك الاستثمارات الأجنبية خيرا لتعافى الاقتصاد السوداني...لاحظ أنه على الرغم من تدفق الاستثمارات الخليجية المتواصل منذ بداية القرن الحالية على السودان، فان ذلك لم ينعكس امنا غذائيا على السودان. فقد ارتفع على سبيل المثال الاستثمار الزراعي السعودي من أربعة مليارات دولار تقريبا نهاية التسعينات من القرن الماضي إلى ما يقارب ٣٠ مليار دولار في الوقت الراهن ويشمل ذلك مزارع الراجحي الضخمة في شمال السودان. وهناك استثمارات متزايدة من قبل دول الخليج الأخرى مثل الامارات وغيرها. ومع ذلك ارتفعت الفجوة الغذائية للسودان بشكل حاد ومخيف..قل الإنتاج وزادت الواردات. أما الخسائر غير المنظورة فتمثلت في هدر الارض الزراعية والموارد المائية على حساب القليل المتبقي من حصة السودان من المياه التي تبلغ ١٨ مليار م ٣ حسب الاتفاقية المائية مع مصر عام ١٩٥٩.

حسب دراسات قمنا بها فإن استهلاك السودان من المياه يتجاوز في الوقت الراهن ١٤ مليار م٣ يشمل هذا نحو أربعة مليارات يعتقد أنها تتبخر سنويا من خزان مروي. اما الحصة الضئيلة المتبقية والتي تبلغ أربعة مليارات متر مكعب ايضا فيتم منها ري مساحات واسعة من الأعلاف المستنزفة للمياه لتغذية مصانع الألبان الضخمة في بعض دول الخليج. وبالتالي نجد السودان قد استهلك مياهه حتى من دون أن يسد رمق مواطنيه أو يقيم اودهم.

هنا يمكن فهم القلق الإقليمي على التحول السياسي المهم الذي يشهده السودان حاليا. هناك مصالح استراتيجية يخشى ضياعها وإن كان يحرسها مسؤولون كبار.

في ظل استهوان الحكام بالتمكبن في الداخل والخارج لأنفسهم أو لحلفاءهم تجاوز المتمكنون الأجانب ذلك إلى استحواذ اراضي خصبة حتى في مواقع الزراعة المطرية والتي يمكن من خلالها الحصول على منتجات اكثر بتكلفة أقل.

تقول تقارير سبق نشرها أنه تم
بيع (23) %من اراضي السودان الزراعية لمستثمرين أجانب، وأن الأراضى السودانية المنتزعة أو مستولى عليها تشكل (9.99%) من جملة الأراضى المستولى عليها على نطاق العالم . وعدت الدراسة السودان كرابع أكثر الدول فى العالم التى تم الاستيلاء على أراضيها الزراعية فيها بعد جمهورية الكونقو الديمقراطية.

المثال الآخر لتمكين الآخر الأجنبي يتضمن قصة حدثت خلال اجتماع لمجلس الأعمال السعودي السوداني المشترك في الرياض بحضور الامين العام السابق لجهاز السودانيين العاملين في الخارج دكتور كرار التهامي (لم يكن بعد قد تبوا هذا المتصب) ومدير عام صحيفة الخرطوم الدكتور الباقر احمد عبد الله وهم شهود لما حدث.

رجل الأعمال السعودي جمعة الجمعة ظل يفاخر دوما أنه أول من خرق المقاطعة الخليجية للسودان بعد حرب الخليج. على الصعيد الشخصي الجمعة كان يعاني من مشكلات قانونية في بلاده تتعلق ببعض المساهمات العقارية.

يقول جمعة الجمعة انه وجد في بداية التسعينات ترحيبا كبيرا في السودان من الرئيس آنذاك عمر البشير ومجلس قيادة الثورة. ويمضي الجمعة قائلا: ( بعد دخول وقت حظر التجوال عند الساعة الحادية عشر ليلا كان الرئيس برفقة بعض المسؤولين ياخذني في جولة في أنحاء العاصمة الخرطوم). ويضيف الجمعة: (البشير كان يعرض علي اختيار ما شئت من الاراضي في اي مكان يعجبني، وبذلك حصلت على مجموعة واسعة من الاراضي حققت لنا في شركتنا فيما بعد ارباح طائلة).

وفيما كان الاجتماع للتفاكر حول الاستثمار في السودان فقد ظل الجمعة يشدد أن الأفضل للمستثمرين السعوديين ضخ الأموال لنشاء محفظة عقارية براس مال ٤ مليارات دولار في السودان.. موضحا أن بعض مساهماته العقارية حققت ارتفاعا في سعر المتر الواحد من ٤ دولارات إلى نحو ١٠٠ دولار.

المهم في قول الجمعة والذي استشهدت فيه بحضور دكتور الباقر وكرار التهامي يتعلق بتنويهه لرجال الأعمال قائلا: (في السودان عليكم أن تكونوا مبادربن ولا تنتظروا من السودانيين شيئا لأنهم يمتازون ببطء الحركة. عليكم اتخاذ أي قرار وساتي لكم باي مسؤول أو وزير في اقل من اسبوع للتصديق على مقرراتكم). دارت الدنيا حولي وانا اشاهد كل هذا الهوان لبلدي والهوة السحيقة التي تدحرجنا إليها بفضل سماسرة الاوطان.

يمضي الجمعة قائلا: مع تزايد استثماراتنا وتنوعها في السودان وجدنا أننا بحاجة إلى بنك فقمنا بشراء بنك ثم رأينا أننا بحاجة إلى فندق فقمنا بشراء فندق قصر الصداقة. فيما يختص بهذه الأخيرة تحدث الي رجل اعمال سعودي وقال إنه مندهش لتفريط السودان في صروحه الاقتصادية مشيرا إلى. أنه تم بيع فندق قصر الصداقة بأقل من ١٢٠ الف دولار لا يساوي ربع. قيمته الحقيقية.

يقول الجمعة ثم وجدنا أننا نحتاج الى سكة الحديد فاشترينا سكة الحديد. واخيرا وجدنا أننا بحاجة إلى الإعلام فقمنا بامتلاك صحيفة. وقبل ذلك استحوذ الجمعة على مؤسسة الأسواق الحرة.

كيف يستحوذ مستثمر واحد على كل هذه المقومات؟..هذه هي محنة السودان في ظل الانقاذ. حدث كل ذلك في ظل التمكين المخيف.

منتهى الأنانية والتفريط في حق الوطن.

اليوم يقول من مارس ذاك التمكين البشع على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أن الاقصاء جريمة لا تغتفر في حق مواطن له افتراضا نفس الحقوق والواجبات.

الفرق بين التمكين والاقصاء هو ذاك الفارق الزمني الذي امتد ثلاثون عاما من الزمان جاع فيه المواطن وشبع اقصاء.
تعددت المسميات والاقصاء واحد..

الخرطوم / مايو ٢٠١٩

التعليقات

اعلان


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

سودان بكرة

2019