سناء حمد
هذه الايام تشغلني قضية الهوية، ولم اكن افهم ابعاد تأثيرها على بلادنا وشخصيتنا القومية ، بأكثر من الخطوط العريضة المعلومة .
ثم وجدت اني أُلاحظ في كل خطوة اثرها ، الذي يتعاظم كل حين ، هل نحن عرب أم افارقة ؟ ، المنازعة بين الثقافة والسِّحنة، خلق حالة من عدم التوازن النفسي انعكست في تفاصيل اجتماعية وثقافيةً وسلوكية .
شخصياً لم اشعر يوماً ما بالانتماء للعرب ، مع ان ثقافتي عربية ، ولم اشعر يوماً بأني افريقية رُغم سحنتي ….ولم اجد في التاريخ الاسلامي قبل ظهور الحركة القومية العربية ذاك الهوس بالعروبة والعربية ، بل كان العرب وعلى الدوام اضعف مكونات الممالك الاسلامية التاريخية خلا الأمويين في بداياتهم ، ولم تكن الثقافة العربية واللسان العربي دليلاً على عروبة ، فمن حفظ للغة العربية جميعهم لم يكونوا عربا ، خِلا ابو الاسود الدؤلي والخليل ابن احمد ، بينما سيوبويه وابن منظور والفيروز آبادي وكثيرون غيرهم كانوا من فارس وآسيا الوسطى وشمال افريقيا ، من دوّن الحديث كان البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهم كانوا جميعاً من اسيا الوسطى ، من حفظ الثقافةالاسلامية ابن المقفع وابن خلكان لم يكونوا عرباً ، من انشأ الفلسفة الاسلامية ابن رشد والفارابي وابن حيّان ..وغيرهم لم يكونوا عرباً، ولم يشعروا هم انهم لاجل هويتهم بحاجة لختم العروبة ، ولم يشعر العرب ان لهم فضلاً على هولاء .
لم اجد احداً يجادل ويتوتر ويبذل جهداً ليثبت عروبيّته الا السودانيين ، بينما إن فُصل بين العروبة والاسلام ، لن يبقى من تراث للعربية عدا المعلقات والشعر الجاهليّ ، فلم هذا البحث المحموم عن كينونة في هذا الحيّز الضيق والفقير ، وإمامنا فضاءات اوسع وأرحب بهويتنا السودانية ..باننا ابناء أبيسينيا كما اسمها التوراة ، وابناء كوش العظيمة كما في الإنجيل .
لقد وجدت تصالحاً حقيقاً مع الذات ، حين وجدت الاثيوبين والإريتريين ، الجيبوتين والصوماليين ، جنوب مصر ، وجنوب الجزائر والمغرب وتونس ، وجدت موريتانيا وجنوب ووسط ليبيا ، وشمال تشاد والنيجر ومالي….نحن من هولاء واليهم ، هذا موقعنا الطبيعي والسليم ،وكل هذه المنطقة المختلفة والتي تقع بين أقصى شمال افريقيا والجنوب الافريقي كانت تسمى بالسودان ، ثم اطلق على بعضها السودان الفرنسي والسودان الايطالي. والسودان البريطاني ،
لقد بحثت في الدراسات الآثارية وفي التاريخ، وكل يوم تزداد قناعتي بهذا الانتماء ، نحن جزء من مجموعة بشرية تمتد من اقصى شرق افريقيا على البحر الاحمر واعلى المحيط الهندي الى المحيط الاطلسي … حزام عريض تتشابه سحنات ساكنيه وتتشابه عاداتهم ، تتقارب لهجاتهم وتقاليدهم وأزيائهم ، تتعد الالسن فيه من العربية ، الأمهرية والتقرنجا، الى الامازيغية ..تختلط فيه الدماء وتتمازج الأنساب ، فنسبة الدم العربي حسب خارطة الجينوم البشري في اثيوبيا اعلى مما هي في عدد من الدول العربية!! حزام ينتشر فيه الاسلام كدينٍ غالب حتى في اثيوبيا واريتريا !!
نحن دولة افريقية ، ذات خصوصية ثقافية ..ونحن قطعة مهمة من ديمغرافيا هذا الحزام الذهبيّ …لننطلق من هنا ، كما انطلقت دول هذا الحزام ، متجاوزة هذا السؤال وقد كان الاريتريون بسحناتهم أجدر بقلق الهوية منا اذ هم اقرب للعروبة جغرافيةًً وملامح، ولكنهم عبروا فوق هذه الالغام وتمسكوا بالجغرافية وبالبعد الديمغرافي للقرن الافريقي وحضاراته .
لقد ركزت الدول على عملية بناء هوياتها الوطنية والحضارية، فهذا هو المعني الاول لكونك دولة مستقلة ، وانعكس ذلك ثقةً وراحة في شخصية شعوب تلك الدول وطبيعة الصراع السياسي فيها .
دعونا نبدأ بالفخر بشخصيتنا الاصيلة في جغرافيا وبيئة ومناخ هذا الحزام الذي بضم جانياً من الصحراء وجزءاً من السافانا ، ، ودعونا نشعر بالفخر ان العرب نزحوا لبلدنا اما بحثاً عن الكلأ او الامن فبذلناهما لهم ، واستوعبناهم في حضارتنا، وان الافارقة زحفوا نحو ارضنا كذلك وراء الكلأ و الامن ، فأنصهروا في مجتمعنا ، نحن ظللنا امةً تملك قوة ناعمة هائلة مستقلة ، دعونا نفخر بها …ونؤسس عليها..